كل يوم و ككل عاداتي السيئة ، افتح التلفاز و أتساءل :
ما الأكاذيب التي سيبثونها اليوم ... ؟
و بجهاز التحكم عن بعد رحت أتنقل من قناة لأخرى بحثا عن ما يسد رمقي من معلومات شافية حتى و إن كانت كاذبة ، أو صور جميلة و إن كانت مفبركة ، أو موسيقى جديدة و لو بمستوى هابط .
و بعد العديد من الصولات و الجولات بين القنوات العربية و الغربية شدني الحنين من أذني و جرني نحو القناة الرسمية الأولى في وطني و طبعا الناطقة باسم الحزب الحاكم و إلا فإنها لن تتجاوز البث التجريبي . و صدف أنه كان آخر يوم في الحملة الانتخابية الرئاسية و لذلك فكل الأحزاب و إن كانت كرتونية ، تتسارع نحو وسائل الإعلام المحلية و الأجنبية ليلقوا وعودهم الوردية و يطيلون في الخطب المنمقة و يكثرون من الخطابات الرنانة . كان البرنامج آنذاك منبرا سياسيا استضافت فيه القناة ثلة من أعضاء الحزب الحاكم و كان حضورهم أحاديا كالعادة دون وجود وجه سياسي أو حتى أنف معارض يمثل المعارضة السياسية . و لكي تكون الحملة الانتخابية واقعية و منطقية فقد تشكل المنبر من أربعة أعضاء ؛ أحدهم دكتور في الاقتصاد أكمل دراسته العليا في ألمانيا و الثاني أستاذ في الحقوق إستلم شهادته من طرف الأمين العام للأمم المتحدة مباشرة ، و الثالث خبير مالي تعلم إدارة الشؤون المالية في سويسرا ، و الرابع دكتور في الهندسة الفلاحية متخرج من جامعة أمريكية عريقة . و عندها ليسأل مقدم البرنامج ما يشاء فهؤلاء المثقفون المتمرسون سيقنعون المشاهد و لو كان رأسه من نحاس ... .
مقدم البرنامج : قامت الشعب المحلية و اللجان التنسقية و الجمعيات الثقافية بحملة دعائية لحزبكم الحاكم في المدن السياحية و القرى الريفية ، استخدمت فيها مكبرات الصوت و اللافتات و الملصقات و الشعارات و الإعلانات في الصحف المحلية و نشرات الأخبار و البرامج الكروية ... جاء فيها : بأن حزبكم يسعى للفوز بولاية رئاسية جديدة و بأنكم من خيرة العقول الوطنية التي من شأنها النهوض بالحياة الاجتماعية للمواطن نحو الأفضل . فما تعقيبكم على ذلك ؟
أستاذ الحقوق : قبل كل شيء دعنا نوضح مسألة الأحزاب السياسية التي و إن تعددت فهذا و إن دلّ على شيء فهو حرصنا الشديد على إرساء الأسس الديمقراطية التي ستكفل حقوق المواطنين على حدّ السواء فهم يستحقون التمتع بحريات أساسية معينة. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته نحو الأفضل ، من خلال صوته في المجلس البر لماني الممثل الشرعي للشعب في السلطة ، و هذا من أهم المبادئ التي يرتكز عليها برنامجنا الانتخابي . ( كان كلامه بالعربية الفصحى ما عدى ثلاث كلمات ؛ الديمقراطية و المواطنين و الحريات ، فقد لفظها بالفرنسية )
مقدم البرنامج : يا الله هذا كلام مفهوم و رائع ... و لكن ماذا عن الإشاعة التي تتناقلها أفواه المعارضة و التي تفيد بأن الحكومة ستزيد في أسعار المواد المدعومة و الغير المدعومة مع العلم أن هذا الغلاء الذي بدأ قبل أكثر من سنة في أسعار مواد البناء والأدوية والإيجارات ، امتد الآن ليشمل المواد الغذائية وخدمات التعليم والصحة، فضلاً عن الخدمات المهنية ، لكنه ما زال مستمراً ويضرب في كل اتجاه بلا هوادة .
و لأن الموضوع من مشمولات الخبير المالي فقد انبرى قائلا : إن أصوات المعارضة من شأنها خلق البلبلة في الصفوف الشعبية و زعزعة أمن المواطنين و التحريض على التمرد و الثورة ضد الحكومة التي تسعى منذ عشرين عام مضت على إرساء كل أسس العيش الكريم في هذا البلد . و لأننا من النخبة العلمية فنحن الأعلم بهذا الموضوع و غيره ، أما عن مسألة ارتفاع الأسعار ، كما تعلمون فإن اقتصادنا على صلة وثيقة بكل المجريات العالمية و لذلك فإن ارتفاع سعر المواد المستوردة و زيادة عدد السكان في العالم والبلاد العربية أيضاً ، وما ترتب عليها من زيادة الاستهلاك والطلب على الخدمات الأساسية ، و تدهور سعر صرف الدولار المستمر تجاه العملات الرئيسية ، إذ انخفضت قيمته إلى مستوى قياسي بلغ 1.44 دولار في مقابل اليورو، ما أدى إلى انخفاض عملتنا إلى 30 في المائة من قيمته الحقيقية ، كما أن ارتفاع أسعار النفط رفع كلفة النقل والشحن، نظراً لارتفاع أسعار المحروقات. ولأن الزيادة الملحوظة في أسعار النفط ، ستؤدي إلى زيادة ملحوظة في أسعار كل السلع والخدمات التي نستوردها من الدول الصناعية ... و كما تلاحظون أيها السادة فإن كل العوامل خارجية ليس لنا فيها لا ناقة و لا جمل و لذلك أطالب كل مواطن أن يتحلى بالوطنية اللازمة ليتأقلم مع ارتفاع الأسعار ، إلى أن نرسي عقلية الإنتاج أو الناتج المادي، و الإنتاج هو خلق المنفعة المادية أو المعنوية من حيث لم يكن لها وجود من قبل، أو إضافة منفعة لشيء يحتوي على قدر معين منها ، أو هو السلع و الخدمات المقدمة التي يمكنها إشباع حاجات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وعوامل الناتج المادي أو عناصر الإنتاج المادي هي الأرض و العمل و التنظيم و خاصة رأس المال .
( كان كلامه في البدء بلغة سلسة و شيئا فشيئا أصبح مزيجا من الفرنسية و الألمانية و الإيطالية و العربية ) .
مقدم البرنامج : شكرا سيدي على هذا التوضيح المهذب و المختصر فهو من السهل الممتنع الذي تفهمه كل فئات الشعب الكريم ... ذلك الشعب الذي أفادت تقاريرنا الصحفية أنه يعاني من البطالة منذ عامين تقريبا و أن نسبة البطالة تجاوزت 10 بالمائة ... فما ردكم في الموضوع ؟
دكتور الاقتصاد : قبل كل شيء علينا أن نعرف ما هي البطالة أولا ن فالبطالة هي ظاهرة اقتصادية بدأ ظهورها بشكل ملموس مع ازدهار الصناعة إذ لم يكن للبطالة معنى في المجتمعات الريفية التقليدية .
و طبقا لمنظمة العمل الدولية فإن العاطل هو كل قادر على العمل وراغب فيه ، ويبحث عنه ، ويقبله عند مستوى الأجر الأدنى ... ولكن دون جدوى . و لأن البطالة ظاهرة اقتصادية فعلينا التعرف على ماهية الاقتصاد ، و هو مصطلح يشمل كل من النظام الاقتصادي للبلد ورأس المال و الموارد الطبيعية و الصناعة و التجارة والتوزيع ، واستهلاك السلع والخدمات في تلك المنطقة ... و كما قال ابن خلدون " النوع الإنساني لا يتم وجوده إلا بالتعاون " و كما قال أدم سميث أيضا " دعه يعمل دعه يمر " ... . ( المقولات الأخيرة قالها باللغة الألمانية )
مقدم البرنامج : و هكذا أيها المشاهدون قد حلت مشكلة البطالة ... و لكن يبقى هناك تساءل أخير حول مسألة الأراضي الفلاحية التي تعاني نقصا في مياه الري ، فما رأيكم في هذا الموضوع ؟
المهندس الفلاحي : من الناحية الاقتصادية فقد سجل الإنتاج الفلاحي ارتفاع ملحوظا فبعد أن كان في السنة الماضية 5 بالمائة من الإنتاج الوطني أصبح هذا العام 15 بالمائة من الإنتاج الوطني و هذا حسب المعهد الوطني للإحصاء المحايد و الذي يتصف بالشفافية التامة لأننا ضمن مجتمع مدني يمارس ديمقراطيته بكل حرية ... و لي أن أمدكم ببعض المعلومات الحصرية ( سكوب ) ؛ فقد أضفنا مادة الكيمياء الزراعية في الجامعات العلمية المعنية بالفلاحة ، و فتحنا أنابيب الري من الوادي الكبير لتصبح مجانية تتكفل بها الحكومة ، كما شجعنا صغار الفلاحين بالعديد من القروض الصغرى قليلة الفوائد ، و تدخلت الحكومة بصورة مباشرة للتقليص في أسعار العلف و المبيدات ... و لأنني خريج جامعة أمريكية و لأن أمريكا أخطبوط يحيط الجميع بمجساته سأراسل أصدقائي هناك و أستشيرهم في بعض المسائل العالقة و خاصة مسألة استيراد الحبوب من عندهم لخلق الاكتفاء الذاتي لشعبنا العزيز .
( كان كل كلامه بالانجليزية ما عدى النسب المئوية )
مقدم البرنامج : شكرا لهذا التوضيح القيم ، و هكذا بفضل سياسة حزبكم الرشيدة سنصبح قوة فلاحية في المنطقة .
حينها تقدمت نحو التلفاز و صرخت بأعلى صوتي : كفاكم كذبا ... فمن تحزّب خان .
و إذا بذراع حكومية غليظة تخرج من الشاشة بسرعة البرق و تصفعني بشدّة ... و هذا ما ينقصني
و ينقصكم ... .